جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
الواقع المأساوي في دارفور الآن يعود إلى السياسة القمعية التي سلكتها الحكومة السودانية في علاج قضية دارفور.
ماذا يجري في دارفور غرب السودان؟
أولاً: القوى السياسية السودانية:
يرى المؤتمر الشعبي بزعامة الترابي أن الحكومة تبنت خطة, تنقل بموجبها الآلة العسكرية من الجنوب بعد توقيع اتفاق السلام إلى دارفور, ومناطق الصراع الأخرى "المناطق المهمشة" في غرب السودان وشرقه، وترى من ذلك "لامبالاة وعدم جدية".
ويوجه المؤتمر الشعبي نقدًا شديدًا لشركاء الأمس في السلطة, ويقول في بيانه حول الأزمة: إن السياسة القمعية التي سلكتها الحكومة في علاج القضية هي التي أدت إلى هذا الواقع المأساوي.
وتكاد تتطابق مطالبه لحل الأزمة مع بقية الأحزاب في التجمع وحتى حزب الأمة، وذلك من زاوية المطالبة بالحريات السياسية وإشراك القوى السياسية الأخرى في حل القضية, والإصلاح والتعويض للمتضررين.. إلخ.
أما الدكتور خليل إبراهيم -رئيس حركة العدل والمساواة- التي تُعد من روافد المؤتمر الشعبي بحسب تصنيف القوى السياسية السودانية، فيعتبر حركته "ضد التهميش وهيمنة مجموعات بعينها على السلطة والثروة في البلد"، وأنهم كحركة يقفون مع وحدة السودان، بل ويمضي إلى أكثر من ذلك بقوله: "نحن ضد مبدأ تقرير المصير" والذي يعتبره خطرًا على وحدة السودان.
ولا يكاد حزب الأمة يختلف عن بقية الأحزاب والقوى السياسية من حيث إدانته للوضع المتردي ورفضه أسلوب العنف والتصعيد العسكري, وتأييد الإصلاح الجذري.
ويُجمل حزب الأمة المطلوب عمله لمواجهة الوضع بدارفور في عدة نقاط أبرزها: دعوته للاعتراف بالأخطاء السياسية من الخلل في التوازن التنموي, وتسييس الجهاز الإداري الأهلي وتحويلهما إلى ذراع حزبي وأمني، وكذلك التفريط في مسألة التسليح والتدريب مما أدى إلى الانفلات الأمني، وعدم التصدي للفساد كظاهرة.
ويدعو حزب الأمة إلى التسليم بحقائق موضوعية مثل الحقوق المشروعة للمزارعين والرعاة مع ضرورة الحياد وكفاءة الإدارة المدنية والأهلية، ويذهب لحد الدعوة إلى إعفاء حكام الولايات الحاليين وتعيين ولاة جدد من ذوي الكفاءة، والدعوة إلى مؤتمر جامع يمثل كل القوى السياسية التي كانت ممثلة في الجمعية التأسيسية المنتخبة عام 1986م, وكذلك القوى التي أفرزتها المقاومة المسلحة للنظر في قسمة السلطة المركزية كأساس للتوازن لكل السودان.
هذا إلى جانب كيفية إزالة آثار ثقافة العنف ومشروع نزع السلاح وإعادة الانضباط، ووضع خارطة استثمارية تعالج صراع الموارد.
ثانيًا: الحكومة السودانية:
قامت الحكومة السودانية بتسليم الإدارة الأمريكية حزمة من المقترحات لحل مشكلة دارفور، وأوضحت السودان أن المقترحات التي قدمتها شرحت العقبات المحيطة بالمشكلة, وما هو مطلوب من الأسرة الدولية حتى تتمكن الحكومة من تنفيذ خططها لمعالجة الأوضاع، وأن على الإدارة الأمريكية بذل المزيد من الجهد لإلزام حاملي السلاح بوقف إطلاق النار.
كما أكد السودان حرص الحكومة وجديتها في إيجاد حل سلمي لمشكلة دارفور، وتأمين إيصال المساعدات الإنسانية والاحتياجات الضرورية للمواطنين.
وعندما تفجرت أزمة دارفور بادرت الحكومة باتخاذ العديد من الخطوات في الجانب السياسي, وقد شمل ذلك ما يلي:
• تشكيل آلية تنسيقية بين الولايات الثلاثة, ووفرت لها الإمكانيات اللازمة؛ لبسط الأمن وهيبة الدولة, والتي بدأت منذ العام 2001م, واشتركت فيها قوات الشرطة والقوات المسلحة.
• انعقاد ملتقى الفاشر الذي أمّه حوالي 500 شخص من القياديين والدستوريين وزعماء الإدارة الأهلية من أبناء دارفور, من كل أنحاء السودان.
• قام وفد كبير من قيادات المؤتمر الوطني بزيارة لولايات دارفور الكبرى, والذي اجتمع بكافة الفعاليات السياسية والاجتماعية؛ لحث الجميع على التعايش السلمي بين قبائل المنطقة.
• لقاء قيادات الحزب الحاكم مع قادة المتمردين في كل من ألمانيا وفرنسا:
إن المحاولات الرامية إلى إلقاء كل المسئولية للأزمة الإنسانية في دارفور على الحكومة السودانية وتهديدها بعقوبات شديدة, من شأنه أن يؤدي بكل تأكيد إلى تفاقم الأزمة بدلاً من حلها.
وتكمن الخطورة في إمكانية فقدان حكومة الخرطوم السلطة على البلد وتزايد حدة الصراع وتطوره إلى حرب أهلية حقيقية, ليس فقط في دارفور في غرب السودان, بل وفي شرق وجنوب البلاد أيضًا.
ثالثًا: الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية:
قَبِل السودان بمبدأ التدخل الإفريقي، فكان دور الاتحاد الإفريقي في الأزمة وهو يمثل الحاجز الوحيد بين السودان والتدخل الأجنبي المفروض، فقد تدخل الاتحاد بإرسال مراقبين وقوة حماية لهم، والسودان يتعامل في الأمر بلغة الحوار, والتعامل السوداني مع الاتحاد الإفريقي مفيد؛ لأنه أكثر استغلالاً لاتجاه الغرب وأكثر فعالية, وهو المنفذ الوحيد الذي تستطيع الحكومة عبره التخفيف من هذه الأزمة والضغوط الدولية ووقف التهديد بالتدخل, وبالفعل حاليًا هنالك مراقبون من الاتحاد الإفريقي وقوات إفريقية وصلت إلى دارفور.
أما الجامعة العربية فقد ناقشت الأزمة, وأعلنت رفض أي تدخل أجنبي في دارفور, وأن يقوم السودان باتخاذ الإجراءات العاجلة لحماية المهجرين من هجمات الجنجويد، ولكنها أيدت قرار مجلس الأمن 1556 الذي يدين السودان, وليس لديها ما يمكن أن تقدمه سوى تحرك بعض الدول العربية في مجال دعم العمل الإنساني.
رابعًا: مجلس الأمن:
جاءت مشاركة المنظمات الإقليمية والدولية في الأزمة بدءًا بالأمم المتحدة، فقد قام الأمين العام للأمم المتحدة بزيارة السودان، وزار دارفور وانتقد طريقة إدارة الخرطوم للأزمة, وأنها كانت بطيئة في ضمان وصول المساعدات الإنسانية.
وقد حصل على تعهدات من الرئيس السوداني عمر البشير بإزالة جميع العقبات التي تعرقل وصول المساعدات الإنسانية إلى المهجرين، وتوفير أمن المدنيين في هذه المنطقة, وبمحاكمة المسئولين عن أعمال العنف المسلح, وتم توقيع بيان مشترك بين الحكومة السودانية والأمم المتحدة..
تعهدت فيه حكومة السودان بنزع أسلحة الجنجويد والجماعات المسلحة الأخرى الخارجة على القانون فورًا, والسماح بنشر مراقبين لحقوق الإنسان, وإلغاء القيود على العمل الإنساني من معوقات وتأشيرات دخول للعاملين, وحرية التحرك في دارفور, ومحاكمة الأفراد والمجموعات المتهمة بانتهاكات حقوق الإنسان.
كما تعهدت الأمم المتحدة بأقصى ما يمكن لتوفير الاحتياجات الإنسانية لمواطني دارفور واللاجئين السودانيين في تشاد, خلال خطة للعمل الإنساني تنفذ في 90 يومًا, إلى جانب المساعدة في النشر السريع لمراقبي وقف إطلاق النار في الاتحاد الإفريقي.
وبالفعل تم تعيين إيان برونك ممثلاً للأمين العام للأمم المتحدة لمتابعة الاتفاق بين السودان والأمم المتحدة, وبالفعل بدأ في 26/8/2004م زيارة إلى دارفور؛ لإجراء تقييم شامل على الأرض لمجمل السياسات والتدابير التي وضعتها الحكومة للإيفاء بتعهداتها، وقد قدم برونك تقريره عن الوضع الأمني في دارفور والذي على أساسه قد يتخذ المجلس قرارًا جديدًا بشأن السودان.
وكذلك فعلت بعض المنظمات التابعة للأمم المتحدة مثل منظمة الهجرة الدولية التي وقعت اتفاقية مع السودان بقصد برامج العودة الطوعية والتعاون؛ لمعالجة الأوضاع في دارفور للنازحين, وبسط الأمن والحماية للمراقبين, وأمنت هذه المنظمة على التحسن الواضح في توفير الأمن والاستقرار.
خامسا: الموقف الأمريكي:
أعلن مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أندرو ناتسيوس أن الولايات المتحدة تمهل المسئولين السودانيين أيامًا وليس أسابيع؛ لاتخاذ إجراءات حاسمة وفاعلة لإلغاء مليشيات الجنجويد, وتحسين ظروف وأوضاع أكثر من مليون لاجئ ونازح بشكل ملحوظ, قبل المضي في جهود استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي حول الأزمة.
كما دعا الحكومة السودانية إلى الوفاء بالتزاماتها الخاصة بوقف كل الهجمات والأعمال العسكرية ضد دارفور, وإلى تجريد مليشيات الجنجويد من السلاح وإلغائها, وحماية المدنيين, ورفع القيود, وإزالة العراقيل أمام وصول المساعدات والإغاثة إلى المنطقة.
وقال مدير وكالة التنمية: إن إمكانية ضغط الولايات المتحدة على الأمم المتحدة لفرض عقوبات دولية ضد المسئولين في الحكومة السودانية, سيعتمد على ما ستفعله الحكومة "السودانية" خلال الأيام أو الأسابيع القليلة القادمة, والمعروف أن الولايات المتحدة تفرض حاليًا من جانبها عقوبات ضد السودان.
وقد حددت الولايات المتحدة مطالبها من الحكومة السودانية وهي: التعاون مع مجلس الأمن وتحسين الأوضاع على الأرض، والبدء في تنفيذ اتفاق السلام، وإكمال تشكيل حكومة الوحدة الوطنية؛ حتى ينعكس ذلك على سياسة الأسرة الدولية للتعاون مع الحكومة, وقد استجابت الحكومة السودانية لهذه المطالب بشكل كبير.
وتقود واشنطن الضغوط الدولية ضد الحكومة السودانية, ونجحت في نقل الملف السوداني إلى مجلس الأمن, وتدخل واشنطن في قضية دارفور ليس جديدًا, حيث إنها تدخلت مرتين من قبل عام 1973م و1985م لإغاثة آلاف الجوعى من المجاعة بالمنطقة عبر جسور جوية مباشرة؛ لنقل الغذاء حتى بات المواطن العادي في دارفور يعرف عن أمريكا وأياديها البيضاء أكثر مما يعرف عن حكوماته المختلفة التي تخلت عنه إبان المحنتين..
والجديد في التدخل الأمريكي هو طرح شعارات حماية المواطنين من حكومتهم التي استخدمت مليشيات الجنجويد ضدهم؛ ولذلك كان اللجوء لمجلس الأمن لإصدار قرار دولي ضد الخرطوم.
التعليقات
إرسال تعليقك